إشراقـــــــــــةُ شمــــــــــــس
أشرقت الشمس و نثرت أشعتها الذهبية في كل مكان كعادتها في كل صباح ، أعمالي و إنشغالي في أمور الحياة كاد أن يجعلني أنسى التأمل في مثل هذا المنظر الخلاب .
في هذا الصباح الغريب الذي ذكرني أن أنظر للشمس ، ذكرني أيضاً أن أنظر إلى الصحيفة التي تصلني إلى مكتبي يومياً و أن أنظر إلى بلدي و ما فيها من أخبار ،
أمسكتُ الصحيفة وبدأتُ بتصفحها وفنجان القهوة في يساري , وفجأة مررتُ بصورة لأطفال في أحد المخيمات , لم أقرأ ما كُتب عنها , فالصورةُ وحدها تحكي قصة !!
أثناء عودتي للمنزل وأنا في السيارة لم أستطع التوقف عن التفكير في تلك الصورة , طلبتُ من السائق أن يأخذني إلى مخيم بلاطه , ذلك المخيم الموجود في مدينتي , ولم أفكر أن أذهب إليه يوماً !!
سرتُ في شوراع المخيم الضيقة , الأطفال ليسوا كالأطفال , والبيوتُ ليست كالبيوت التي اعتدتُ رؤيتها, ينتابني شعورٌ غريب , شعورٌ متناقض ! كالنارِ والماء أو الأرض والسماء , أشعرُ أن الثورة اشتعلت بداخلي ونيران الألم تمزقني , شفقةً على هؤلاء الأطفال وحسرةً على حالنا وحال هؤلاء المظلومين !
أكملتُ سيري وأنا اتأمل فيهم، أرى في عينيهم ألمٌ وأمل , أرى نظرةَ غضب ممزوجةً ببراءة الأطفال . فجأة , اقترب مني الأطفال بخطوات مسرعة, طننتُ أنه هجوم على رجل غريب عن المخيم , ببدلة رسميه , استدرتُ وكدتُ أن أرحل مسرعاً إلا أن سمعتُ صوتَ طفل صغير يقول : "اشتري منا اللبان يا عم , ولدينا الولاعات والمحارم و..و..و... " .
بدأ الأطفال يعرضون عليّ ما يملكونه وأنا لم أتمالك نفسي , اشتعلت عيناي وكادت دموعي أن تنزل , اشتريتُ منهم جميع ما يملكونه, حتى إنني أعطيتهم أكثر من حقهم .
خرجتُ من المخيم وإذا بذلك الصوت البرئ يناديني : "ياعم .. انتظر لحظه .. "
وقفتُ وانتظرته , أعاد إلي ما أعطيتهم زيادة من المال , وقال : " نحن لا نريد شفقة من أحد, شكراً لك ! "
ذهب بخطوات واثقة غير متزعزعة وأنا أرقبُ تلك الخطوات , ماذا عساي أن أقول ؟؟!! ما زالت جذور الكرامة الفلسطينية مغروسة بأبنائنا .
أسير وأتساءل , أين آباء هؤلاء الأطفال ؟ أين من يساعدهم ؟ أين من يربي هؤلاء الأشبال ليكونوا غداً أسود هذه الأمة ؟؟!!
فجأة قطعت سلسة تساؤلاتي بضحكة ساخرة , ياإلهي ... طيل حياتي قد كنتُ واحداً من هؤلاء الغافلين, لا أعلم هل شمس هذا الصباح الغريب التي أيقظتني أم الصورة الموجودة في الصحيفة هي التي أيقظت ضميري النائم طيلَ هذه المدة !!!
لم أقف مكتوف اليدين , في صباح اليوم التالي عدتُ للمخيم , لم أستغرب وجود الأطفال في الشوارع يبيعون البضاعات الرخيصة , فلا يوجد مدارس تستقبلهم دون مال , فنحن في زمن المادة وضياع الضمير , للأسف . مسكتُ ورقة وقلم , وأعطيتها لأحد الأطفال هناك , وقلتُ له : " اكتب ماذا تريد من شعبك اليوم " , ضحك وأجابني بصوت يرتجف : " لا أعرف الكتابة يا سيدي ! " , قلتُ له : " سأكتب أنا , قل لي فقط ماذا تريد ؟ " ... سكت واحمر وجهه الحنطي الصغير , وقال بخجل : " أريد أن أتعلم الكتابة " وأشار بسبابته المغبرة على أحد حيطان المخيم وأكمل حديثه : " كي أكتب هناك ... ( أحبُ فلسطين ) .. ". قال ذلك الطفل ما لديه وغادر المكان , وغادر جميع الأطفال المكان , تركوني مع آلامي وأهاتي , آآآه يا زمن , ماذا فعلت بهم ؟ وماذا سأفعل أنا ؟ .
عدتُ للمنزل وبدأتُ بتجميع أفكاري المشتتة , وقررتُ اليوم أن أفتح صفحة جديدة في قلبي وفي حياتي , وأن أساعد تلك الأزهار الذابلة لتحيى من جديد , إنها تحتاج إلى رشفة من حنانٍ وأمل, وستصبح بلون زاهٍ جديد ومشرق . أمسكتُ ورقة وقلم وسطرت عليها ما سأفعله بإذن الله , لابد من أن أبدأ بالمدارس , وهناك الكثير والكثير , وهناك أيضاً مثلي الكثيرون , ربما لم يغب الضمير من الجميع بعد , سأبحث عن أشخاص مثلي يساعدوني , وسأبدأ من هنا , في بلدي أنا !!.
هذه القصة من تأليفي
أتمنى أنا تنال إعجابكم ^ــ^